يواجه كل متداول مخاطر السوق، إذ تتأثر الأسواق بالأخبار والبيانات الاقتصادية والأحداث غير المتوقعة. حتى أفضل التحليلات لا يمكنها الحماية من كل التطورات السلبية، ولهذا يستخدم العديد من المتداولين والمستثمرين استراتيجيات التحوط لحماية رأس المال.
 

في جوهرها، تعني استراتيجية التحوط (Hedging) فتح مركز معاكس في السوق لتقليل الخسائر في حال تحرك الأسعار ضد مركزك الحالي. يمكن اعتبار التحوط بمثابة بوليصة تأمين لمحفظتك الاستثمارية — فهو لا يلغي المخاطر تمامًا، لكنه يساعد في خفض الخسائر المحتملة، وحماية الاستثمار الأساسي، والحفاظ على رأس المال في ظل ظروف السوق غير المستقرة.
 

تتطلب استراتيجيات التحوط استخدام أدوات مالية مثل عقود الخيارات (Options) أو العقود الآجلة (Futures) أو منتجات المشتقات المالية (Derivatives) المرتبطة بأصل أساسي مثل الأسهم أو السلع أو أزواج العملات.
 

يشرح هذا المقال أساسيات التحوط للمتداولين متوسطي الخبرة، بما في ذلك أكثر استراتيجيات التحوط شيوعًا، والأدوات المستخدمة، والخطوات العملية لإدارة المراكز في الأسواق الحقيقية. وإذا كنت تتداول عبر منصة 24Markets.com، يمكنك تطبيق هذه التقنيات على فئات أصول متعددة مثل الفوركس والأسهم والمؤشرات والسلع — وكلها من منصة واحدة.
 

فهم مفهوم التحوط

 

ما هو التحوط؟

 

التحوط هو عملية فتح مركز أو أداة مالية تتحرك في الاتجاه المعاكس لمركزك الأساسي. على سبيل المثال، إذا كنت تمتلك مركز شراء في سهم معين وتتوقع احتمال هبوط السعر، يمكنك شراء عقد خيار بيع (Put Option) بسعر تنفيذ أقل قليلًا من السعر الحالي للسوق. يمنحك هذا العقد الحق (وليس الالتزام) في بيع السهم عند السعر المحدد مسبقًا.
 

إذا انخفض سعر السهم بالفعل، فستزداد قيمة عقد الخيار، مما يعوض جزءًا من خسائرك في المركز الأساسي. وبهذه الطريقة، لا تلغي الخسارة بالكامل، لكنها تصبح محدودة ويمكن السيطرة عليها.
 

الغرض من التحوط في التداول

 

الهدف الأساسي من التحوط ليس تحقيق الأرباح، بل إدارة المخاطر. فهو يحميك من الخسائر الكبيرة الناتجة عن تحركات السوق غير المتوقعة. يستخدمه المستثمرون عادة في الفترات التي تزداد فيها التقلبات أو قبل صدور بيانات اقتصادية مهمة. كما يمكن للمتداولين قصيري الأجل الاستفادة منه أثناء الأحداث الجيوسياسية أو عند تداول أصول عالية المخاطر.
 

التحوط مقابل المضاربة

 

غالبًا ما يخلط المتداولون الجدد بين التحوط والمضاربة، لكن الفارق بينهما كبير:

  • التحوط: يهدف إلى الحماية من الخسائر.
  • المضاربة: تهدف إلى تحقيق الربح من التغيرات السعرية.

على سبيل المثال، شراء خيار بيع لحماية مركز شراء هو تحوط، بينما شراء الخيار ذاته للمراهنة على هبوط السعر هو مضاربة.
 

أدوات التحوط الشائعة

 

هناك عدة أدوات مالية يمكن استخدامها لتنفيذ استراتيجيات التحوط، تختلف باختلاف نوع الأصل ومستوى خبرتك.
 

1. عقود الخيارات (Options Contracts)

الخيارات من أكثر الأدوات مرونة في التحوط. فهي تمنح الحق (وليس الالتزام) في شراء أو بيع أصل معين بسعر محدد مسبقًا في أو قبل تاريخ معين.

  • خيار الشراء (Call Option): يستخدم للتحوط من ارتفاع الأسعار.
  • خيار البيع (Put Option): يستخدم للتحوط من انخفاض الأسعار.

مثلاً، إذا كنت تملك سهمًا وترغب في حمايته من الهبوط، يمكنك شراء خيار بيع (Put) بنفس حجم مركزك تقريبًا. إذا انخفض السعر، ترتفع قيمة الخيار مما يوازن الخسارة.
 

2. العقود الآجلة (Futures Contracts)

تُستخدم العقود الآجلة بكثرة من قبل المؤسسات والمتداولين المحترفين للتحوط من أسعار السلع أو العملات أو المؤشرات. فهي عقود ملزمة لشراء أو بيع أصل بسعر محدد في تاريخ مستقبلي.

مثلاً، شركة طيران قد تشتري عقدًا آجلاً على وقود الطائرات للتحوط ضد ارتفاع الأسعار. بالمثل، يمكن للمتداول الذي يمتلك مركز شراء على النفط التحوط من الهبوط عبر بيع عقد آجل مماثل.
 

3. عقود الفروقات (CFDs)

تُعد عقود الفروقات أداة مرنة جدًا للتحوط لأنها تتيح لك المضاربة على حركة السعر دون امتلاك الأصل. يمكنك فتح مركز بيع على عقد فروقات ليتحرك عكسيًا مع مركز الشراء الأساسي.

على سبيل المثال، إذا كان لديك محفظة من الأسهم الأوروبية، يمكنك فتح مركز بيع CFD على مؤشر Euro Stoxx 50 لتقليل تأثير أي هبوط محتمل.
 

4. أزواج العملات والتحوط في الفوركس

في سوق الفوركس، يُستخدم التحوط لحماية المراكز من تقلبات أسعار الصرف. مثلًا، إذا كنت تملك مركز شراء على EUR/USD وتتوقع تقلبات قوية، يمكنك فتح مركز بيع مؤقت على زوج مرتبط مثل GBP/USD لتقليل المخاطر الإجمالية.
 

أنواع استراتيجيات التحوط

 

التحوط الكامل (Full Hedge)

يتضمن تغطية كامل المركز الأصلي بصفقة معاكسة بنفس الحجم تقريبًا، مما يلغي تقريبًا أي تقلب سعري. هذا النوع يحافظ على رأس المال لكنه يحد من الأرباح المحتملة.
 

التحوط الجزئي (Partial Hedge)

يستخدم لتغطية جزء فقط من المركز المفتوح، مما يقلل المخاطر دون تعطيل إمكانية تحقيق الأرباح. يُعد الخيار الأفضل في الأسواق التي لا يمكن التنبؤ بها بالكامل.
 

التحوط الديناميكي (Dynamic Hedge)

هو أسلوب متقدم يقوم فيه المتداول بتعديل مركز التحوط باستمرار مع تغيرات السوق، مثل تعديل حجم الخيار أو عدد العقود الآجلة بما يتناسب مع حركة السعر. يُستخدم غالبًا من قبل المتداولين المحترفين أو المؤسسات.
 

كيفية تنفيذ التحوط خطوة بخطوة

 

  1. حدد الأصول التي تحتاج للتحوط: راقب المراكز ذات التعرض العالي للمخاطر.
  2. اختر الأداة المناسبة: خيارات، عقود آجلة، أو CFDs حسب السوق.
  3. حدد نسبة التحوط: كاملة أو جزئية بناءً على تحملك للمخاطر.
  4. تابع بانتظام: راقب فعالية التحوط وعدّل المراكز عند الحاجة.
  5. أغلق التحوط تدريجيًا: بعد استقرار السوق أو تحقق الهدف.
     

الأخطاء الشائعة في استراتيجيات التحوط

 

  • التحوط المفرط الذي يقلل الأرباح المحتملة.
  • تجاهل تكاليف التحوط مثل العمولات أو رسوم التمويل.
  • استخدام أدوات غير مناسبة لنوع الأصل.
  • عدم مراجعة مراكز التحوط بانتظام.

تذكّر أن التحوط ليس استراتيجية ربح، بل وسيلة لإدارة المخاطر بشكل أكثر ذكاءً واحترافية.
 

الخلاصة

 

التحوط عنصر أساسي في التداول الاحترافي، خصوصًا في الأسواق المتقلبة. فهو لا يمنع الخسائر بالكامل، لكنه يقلل من حدتها ويحافظ على رأس المال في المدى الطويل. استخدمه بحكمة كأداة داعمة لاستراتيجيتك، وليس كبديل عنها.

ابدأ بتطبيق تقنيات التحوط تدريجيًا على مراكز صغيرة، ومع اكتساب الخبرة ستتمكن من تصميم استراتيجيات متقدمة تناسب أهدافك الاستثمارية ومستوى المخاطر الذي تتحمله.